- حبيبةمشرفه البرامج الدينيه
- عدد المساهمات : 253
تاريخ التسجيل : 24/03/2010
طول الامل
الأحد ديسمبر 30, 2012 9:55 am
[center]طول الأمل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فلقد ذَمَّ الله أقوامًا طالت آمالهم، فألهتهم عن العمل للدار الآخرة، ففاجأهم الأجل وهم غافلون، فَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أن لَوْ مُدَّ لهم فيه؛ ليستدركوا ما فات، ولكن هَيْهَات هَيْهَات.
قال الله تعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 2: 3].
وطول الأمل: هو الاستمرار في الحرص على الدنيا، ومداومة الانكباب عليها، مع كثرة الإعراض عن الآخرة[1].
ولقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كثيرًا من الناس طالت آمالهم، حتى جاوزت آجالهم؛ فعن بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قال: "خط النبي - صلى الله عليه وسلم – خطوطًا، فقال: ((هَذَا الأَمَلُ، وَهَذَا أَجَلُهُ))، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب"[2] يعني الأجل.
وإن من عجيب أمر ابن آدم أنه كلما اقترب من أجله طال أمله، وزادت رغبته في الدنيا وحرصه عليها، ولا يسلم من هذا إلا من سلمه الله، وهم قليل.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا؛ وَطُولِ الأَمَلِ))[3].
فالأمل لا ينفك عنه أكثر الخلق، ولولا الأمل ما تهنَّى أحد بعيش أبدًا، قال الشاعر:
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ أَرْقُبُهَا***مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلا فُسْحَةُ الأَمَلِ
قال ابن حجر: وفي الأمل سر لطيف؛ لأنه لولا الأملُ ما تهنَّى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته[4].
فالعاقل من لم يغرُّه طول الأمل، ولم ينسه ما هو فيه من النعيم ما وعد الله به كل حي، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "أَخَذَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي"، فقال: ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبيلٍ)).
وكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ مِنْ صِحَّتِكَ لمرضك، ومن حياتك لموتك"[5].
زاد الترمذي: "وعد نفسك من أهل القبور، فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدًا" [6].
قال ابن رجب: "وهذا الحديث أصل عظيم في قصر الأمل، وأنه لا ينبغي للمؤمن أن يتخذ من هذه الدنيا وطنًا ومسكنًا، وإنما يكون حاله فيها؛ كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل"[7].
ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: "يا أبا ذر! أين متاعكم؟" فقال: "إنَّ لنا بيتًا نتوجَّهُ إليه"، فقال: "إنه لابد لك من متاع ما دمت ها هنا"، قال: "إن صاحب البيت لا يدعنا فيه"[8].
عن الحسن لما احتضر سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: بكى، وقال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ إلينا عهدًا فتركنا ما عهد إلينا، أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب"، قال: "ثم نظرنا فيما ترك، فإذا قيمة ما ترك بضعة وعشرون درهمًا، أو بضعة وثلاثون درهمًا"[9].
فعلى العاقل أن يغتنم أيام حياته، فما يدريه لعله لم يبق له منها إلا يسير.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أماني، والوقت ضائع بينهما"[10].
ويتولد من طول الأمل الكسلُ عن الطاعة، والتسويفُ بالتوبة، والرغبةُ في الدنيا، والنسيانُ للآخرة، والقسوة في القلب؛ لأن رقته وصفاءه إنما يقع بتذكر الموت، والقبر، والثواب، والعقاب، وأهوال يوم القيامة؛ كما قال تعالى:{فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16].
ولذلك يقول علي - رضي الله عنه -: "إنَّ أَخْوَفَ ما أخاف عليكم: اتّباع الهوى؛ وطول الأمل، فأمَّا اتّباع الهوى فإنه يصدُّ عن الحق، وأمَّا طول الأمل فإنه يُنْسِي الآخرة، ارتحلتِ الدنيا مُدْبِرَة، وارتحلتِ الآخرةُ مُقْبِلَة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنَّ اليومَ عَمَلٌ ولا حساب، وَغَدًا حسابٌ ولا عَمَلٌ"[11].
والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فلقد ذَمَّ الله أقوامًا طالت آمالهم، فألهتهم عن العمل للدار الآخرة، ففاجأهم الأجل وهم غافلون، فَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أن لَوْ مُدَّ لهم فيه؛ ليستدركوا ما فات، ولكن هَيْهَات هَيْهَات.
قال الله تعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 2: 3].
وطول الأمل: هو الاستمرار في الحرص على الدنيا، ومداومة الانكباب عليها، مع كثرة الإعراض عن الآخرة[1].
ولقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كثيرًا من الناس طالت آمالهم، حتى جاوزت آجالهم؛ فعن بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قال: "خط النبي - صلى الله عليه وسلم – خطوطًا، فقال: ((هَذَا الأَمَلُ، وَهَذَا أَجَلُهُ))، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب"[2] يعني الأجل.
وإن من عجيب أمر ابن آدم أنه كلما اقترب من أجله طال أمله، وزادت رغبته في الدنيا وحرصه عليها، ولا يسلم من هذا إلا من سلمه الله، وهم قليل.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا؛ وَطُولِ الأَمَلِ))[3].
فالأمل لا ينفك عنه أكثر الخلق، ولولا الأمل ما تهنَّى أحد بعيش أبدًا، قال الشاعر:
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ أَرْقُبُهَا***مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلا فُسْحَةُ الأَمَلِ
قال ابن حجر: وفي الأمل سر لطيف؛ لأنه لولا الأملُ ما تهنَّى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته[4].
فالعاقل من لم يغرُّه طول الأمل، ولم ينسه ما هو فيه من النعيم ما وعد الله به كل حي، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "أَخَذَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي"، فقال: ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبيلٍ)).
وكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ مِنْ صِحَّتِكَ لمرضك، ومن حياتك لموتك"[5].
زاد الترمذي: "وعد نفسك من أهل القبور، فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدًا" [6].
قال ابن رجب: "وهذا الحديث أصل عظيم في قصر الأمل، وأنه لا ينبغي للمؤمن أن يتخذ من هذه الدنيا وطنًا ومسكنًا، وإنما يكون حاله فيها؛ كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل"[7].
ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: "يا أبا ذر! أين متاعكم؟" فقال: "إنَّ لنا بيتًا نتوجَّهُ إليه"، فقال: "إنه لابد لك من متاع ما دمت ها هنا"، قال: "إن صاحب البيت لا يدعنا فيه"[8].
عن الحسن لما احتضر سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: بكى، وقال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ إلينا عهدًا فتركنا ما عهد إلينا، أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب"، قال: "ثم نظرنا فيما ترك، فإذا قيمة ما ترك بضعة وعشرون درهمًا، أو بضعة وثلاثون درهمًا"[9].
فعلى العاقل أن يغتنم أيام حياته، فما يدريه لعله لم يبق له منها إلا يسير.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أماني، والوقت ضائع بينهما"[10].
ويتولد من طول الأمل الكسلُ عن الطاعة، والتسويفُ بالتوبة، والرغبةُ في الدنيا، والنسيانُ للآخرة، والقسوة في القلب؛ لأن رقته وصفاءه إنما يقع بتذكر الموت، والقبر، والثواب، والعقاب، وأهوال يوم القيامة؛ كما قال تعالى:{فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16].
ولذلك يقول علي - رضي الله عنه -: "إنَّ أَخْوَفَ ما أخاف عليكم: اتّباع الهوى؛ وطول الأمل، فأمَّا اتّباع الهوى فإنه يصدُّ عن الحق، وأمَّا طول الأمل فإنه يُنْسِي الآخرة، ارتحلتِ الدنيا مُدْبِرَة، وارتحلتِ الآخرةُ مُقْبِلَة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنَّ اليومَ عَمَلٌ ولا حساب، وَغَدًا حسابٌ ولا عَمَلٌ"[11].
والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى