يوم مرعب في ضيافة "بلطجية" مبارك
الأحد فبراير 13, 2011 5:59 pm
جمع من مؤيدي
مبارك اثناء الاعتصامات في ميدان التحرير
في الايام المضطربة التي سبقت تنحي الرئيس
المصري السابق حسني مبارك، تمكن مراسل بي بي سي روبرت وينغفيلد هيز من اخذ
فكرة - لا ارادية بالتأكيد - عن كيفية عمل جهاز المخابرات المصري.
موضوعات ذات صلة
- [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
في الايام الاخيرة، ما لبثت استلم
سيلا من الرسائل من اصدقاء ومن اناس لا اعرفهم كانوا قد سمعوا بقصة احتجازي
من قبل جهاز المخابرات المصري الذي يثير اسمه الرعب في قلوب المصريين.
وكان جوابي على هذه الرسائل ان المسألة كانت غير
ذات اهمية، وانها لم تعدو صداما صغيرا مع رجال مزعجين، حيث لم نتعرض - لا
انا ولا زملائي - الى اي اذى بدني اثناء احتجازنا الذي لم يستغرق سوى بضع
ساعات.
ولكن الاحتجاز كان مع ذلك فرصة لاخذ صورة مثيرة
ومرعبة للطريقة التي كانت تعمل بها دولة حسني مبارك البوليسية.
بلطجية الـ "لادا"
بدأ ذلك اليوم بمقابلة صحفية اجريتها مع احد
مستشاري الرئيس مبارك المقربين في حي مصر الجديدة. ولدى عودتنا الى مركز
العاصمة حدث ما لم نكن نتوقعه، إذ ظهرت سيارة لادا حمراء الى جانب سيارتنا
قرب القصر الجمهوري.
كانت سيارة اللادا تحمل داخلها اربعة رجال بدناء
يبدو عليهم الغضب، وكانوا يصرخون بوجوهنا طالبين منا ان نتوقف.
وعندما رفض سائق سيارتنا الامتثال لامرهم، انحرفوا
بسيارتهم نحو سيارتنا واجبرونا على ترك الطريق والتوقف قرب نقطة للجيش.
ربما كنت ساذجا، إذ تنفست الصعداء عندما رأيت
الجنود معتقدا انهم قد يحموننا من غضب ركاب اللادا والشر المتطاير من
عيونهم.
وما زلت غير متأكد ما اذا كان هؤلاء الركاب
الاربعة من "البلطجية" المأجورين للحكومة ام كانوا من المتطوعين المؤيدين
لمبارك ونظامه.
ومهما كان الامر، بدا الجنود اكثر اقتناعا
بروايتهم مما كانوا بروايتنا.
امرنا الجنود، الذين اتضح لاحقا انهم من عناصر
الحرس الجمهوري، بالترجل من سيارتنا ثم صادروا جوازات سفرنا وهواتفنا
الخليوية.
عند ذاك، تدخل بعض الرجال الذين كان يرتدون سترات
من الجلد البني.
فقد توقفت شاحنة صغيرة من طراز تويوتا قربنا ترجل
منها هؤلاء، وكانت تبدو عليهم الثقة الصامتة التي يتصف بها رجال الامن
السريون في كافة ارجاء العالم.
امرنا الرجال بالصعود الى شاحنتهم، واخذونا الى
ثكنة كتب على جدرانها "ممنوع التصوير."
في تلك اللحظة بدأت الامور تتخذ منحى مخيفا،
فعندما ترجلنا من الشاحنة عصبت اعيننا وكبلت ايادينا بالاصفاد.
وعندما قلت، بشيء من الغباء، إن لا ضرورة لهذه
الاجراءات، قام احدهم بشد الاصفاد بحيث اخذت تحفر في لحم رسغي.
اخذت بعد ذلك الى زنزانة صغيرة، وامرت بالجلوس.
كانت تلك اول تجربة لي بعمليتي تعصيب العينين
وتكبيل اليدين، وهما عمليتان الغرض منهما الارباك وزرع الخوف. استطيع الآن
القول إنهما ناجحتان فعلا في ذلك.
فالزمن يتمدد والمرء في هذه الحال، وتمر الدقائق
بطيئة بحيث تبدو الدقيقة والواحدة وكأنها 20. كما يتبادر الى ذهن الفرد
حقيقة انه لا يتمكن من الدفاع عن نفسه واذا سقط الى الارض لن يتمكن من
النهوض.
وعلى الرغم من يقيني بأنهم لن يستخدموا العنف ضدي،
اضطررت الى استنهاض كل ما لدي من قوة ارادة لكي احافظ على رباطة جأشي.
ولكن بعد بضعة دقائق وانا على هذه الحال، ازال
احدهم الغطاء من على عيناي والاصفاد من يداي معتذرا عما وصفه "باجراء
ضروري."
جرى بعد ذلك استجوابي لمدة ثلاث ساعات لم يعكر
صفوها سوى صوت اشبه بالصرخة جاءتنا من كوة في الحائط.
وما ان سمع احد المحققين هذه الصرخة حتى قفز واغلق
الكوة.
لا استطيع ان اجزم انها كانت صرخة انسان، ولكن من
الواضح انهم لم يكونوا راغبين بأن اطلع على كل ما كان يجري في تلك الثكنة.
في الايام الاخيرة، اوردت الجماعات المصرية
المدافعة عن حقوق الانسان بأن المئات من المحتجين ضد نظام مبارك قد اعتقلوا
وعذبوا.
وقد كتب غيري من الصحفيين الاجانب عن سماعهم
لاصوات تعذيب اثناء احتجازهم من قبل الاجهزة المصرية، ولكني لا استطيع
القول إني شاهدت او سمعت اي من ذلك.
ولكن الذي استطيع ان اقوله بكل ثقة هو اني لو كنت
مصريا لكنت اصبت برعب شديد عندما كنت مكبل اليدين ومعصوب العينين في تلكم
الزنزانة.
فقانون الطوارئ الذي ما لبث يحكم مصر منذ ثلاثة
عقود منح جهاز المخابرات سلطات واسعة لاعتقال المواطنين لفترات طويلة دون
محاكمة.
وانا واثق بأن تلك الثكنة في مصر الجديدة تشهد
اعمال تعذيب، فالاجهزة الامنية في اي نظام بوليسي ليس لها الا غرض واحد وهو
حماية النظام من شعبه.
وكما قال لي احد المتظاهرين في ميدان التحرير في
اليوم التالي: "الثعبان يموت اذا قطعت رأسه."
قد يكون على حق، ولكن هذا سبب آخر يدعو المصريين
الى الخوف من جهاز المخابرات في هذه الفترة - فالحيوان يكون اشد خطورة
عندما يجد نفسه محاصرا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى