وقائع الموت بالفشل الكبدي والكلوي بسبب تلوث المياه في قرى للمحلة
الأحد يناير 30, 2011 2:04 pm
* أمراض الكلى والكبد تنتشر بين الأهالي .. ومحطة الصرف الرئيسية بالمدينة تصب مياهاً غير معالجة في مصرفي العامرية وزفتى
* غباشي فقد شقيقه و3 من أبنائه بأمراض الكبد .. وولده الرابع يعاني من نفس المرض
* الفلاحون يعتمدون على “المياه الملوثة” لري أراضيهم .. والمحاصيل تباع للمواطنين
تحقيق – أحمد بلال:
انقر على الصورة لعرضها في الحجم الكامل.
في منزلها المتواضع، أصرت السيدة الأربعينية، التي ترتدي جلباباً فلاحياً أسود اللون، على تقديم واجب الضيافة قبل أي شيء. بعد قليل تأتي بالشاي، تقدمه لنا وهي تؤكد أن المياه التي استعملتها في عمل الشاي، قد أحضرتها من محطة معالجة المياه التي أقامتها الجمعية الشرعية في القرية. كانت تقول ذلك وكأنها تحاول طمأنتنا.
بألم شديد، تسرد “فطومة” قصة معاناة والدها “محمد عمارة” مع المرض، “ذهبنا به للمستشفى العام بالمحلة، فتم حجزه هناك دون أن نعرف سبب مرضه، حتى صادف أن طبيباً أتى ليزور أحد المرضى فطلبت منه أمي إجراء الكشف عليه وهي تبكي، عندما نظر إليه طلب منا إجراء تحاليل وظائف كبد وكلى بسرعة، وعندما أجرينا التحاليل طلب منا عمل غسيل كلى فوري له، وإلا سيموت”، تقول “فطومة”، التي تضيف أن الأسرة بأكملها سهرت مع والدها في ليلته الأخيرة، وأن حالة من المرح كانت تسود المكان، ووقت الفجر استيقظت والدتها لأداء الصلاة في المسجد، إلا أنه طلب منها ألا تتركه ثم نطق الشهادتين، وتركها بلا عودة.
تغيب لدقائق ثم تعود ممسكة بورقة معنونة بـ “شهادة الوفاة”، تقدمها لنا وهي تغالب دموعها، فرغم مرور ست سنوات كاملة على وفاته، فلا تزال ترتدي ثياباً سوداء حزناً على الراحل.
في خانة “سبب الوفاة” نجد عبارة “فشل كلوي”، تقول “فطومة” إن والدها الذي كان يعمل نجاراً مسلحاً، كان واحداً من هؤلاء الذين قام مركز الكلى في المنصورة على أكتافهم، إلا أن “محمد عمارة” الذي زار مركز الكلى عاملاً وهو في كامل صحته، لم يزره على الإطلاق مريضاً، وهو في أشد الاحتياج للعلاج.
تتهم “فطومة” مياه الشرب والمزروعات المروية بالصرف في التسبب في وفاة والدها، تقول “المياه والصرف موتوا البلد كلها”.
في قرية الدواخلية، بمركز المحلة الكبرى، نفس القرية التي تقطنها “فطومة”، أمسك “علي البقري” الموظف بالجمعية الزراعية بالقرية بخريطة توضح مصادر الري في قرى مركز المحلة، يشير إلى مصرفي العامرية وزفتى و يقول: “هذه المصارف مخصصة للصرف الزراعي فقط، إلا أن هناك من يلوثها بالصرف الصناعي والصحي”. على طول مصرفي العامرية وزفتى بمركز المحلة الكبرى، تنتشر الأراضي الزراعية، التي يعتمد جزء كبير منها في الري على مياه هذه المصارف.
يدرك تماماً خطورة الري بهذه المياه، فشقيقه كان واحداً من هؤلاء الذين قضوا بسبب سرطان الكبد، يقول علي: “نصحته أكثر من مرة أن يترك هذه الأرض لأنه كان يرويها من مياه مصرف زفتى، قلت له أن هذه الأرض ستكون سبباً في وفاته”. كان الرد الذي يسمعه علي من شقيقه كل مرة أنه أحب هذه الأرض، وأنه لن يتركها، وبالفعل، لم يفارقها إلا ميتاً.
تحت أشعة الشمس الحارقة، وعلى جانب مصرف زفتى، ومن بعده مصرف العامرية، سار “غباشي مرجان”، في نفس الطريق الذي يسلكه كل يوم، يتحامل على نفسه، يتناسى شيخوخته وقد اقترب من الثمانين، ويتناسى معها مرضه، فمن أجل الحبيبة تهون كل الصعاب، يشير لنا “مرجان” إليها وقد انفرجت أساريره، كم غريبة هي تلك العلاقة بين الفلاح وأرضه، هنا، على هذه المساحة الصغيرة التي يفلحها “غباشي” ومن تبقى من أبنائه، جلسنا. يقول وهو يسرد لنا كيفية تدبير علاج الالتهاب الكبدي الذي يعاني منه أنه يضع “الحسنة” التي تخرج له من الأرض على معاشه ليوفر نفقات العلاج.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى